كثيرة هي الأحداث التاريخية التي تبقى آثارها لسنوات وعقود بل وقرون طويلة.. وهناك أحداث تترك خلفها أسراراً مطوية بانتظار من يكشف خباياها.. ولكن حدثاً واحداً امتدت آثاره وأسراره إلى 13.7 مليار سنة..
في رواية The Forgotten Garden لـ Kate Morton تغادر كاساندرا استراليا لتعبر العالم إلى ضفته الأخرى وصولاً إلى انجلترا.. لقد ماتت جدتها ودفنت معها اللغز الذي عاش قرابة قرن من الزمن – لغز عائلتها وأصل وجودها.. ولا بد للبحث عن أصول جدتها – وبالتالي أصول وجودها هي نفسها – من أن تعبر العالم إلى الضفة الأخرى لتبدأ رحلة بحث طويلة عن أصول الجدة في قرية نائية في الريف الانجليزي.. رحلة في عكس مسار التاريخ وصولاً إلى حدث ميلاد الجدة قبل مائة عام..
قبل 13.7 مليار سنة شهد الوجود حدث ميلاد آخر.. ميلاد كوننا.. الكون الذي أنجب الإنسان العاقل القادر على البحث والعودة في الزمن إلى لحظات بداية الكون.. فبعد أن استغرق ظهور هذا الكائن العجيب 13.7 مليار سنة استطاع الكون أخيراً أن يعود بحثاً عن تاريخ بدايته في حنايا وجوده الممتد بلا نهاية.. علّـه يصل إلى جواب شافٍ لسؤال وجوده: كيف وجـد الكون؟
رحلة الإنسان في بحثه هذا لم تنتظر القرنَ العشرين ومعداته وأجهزته العلمية المتطورة.. فهذا البحث شديد التشويق للإنسان وشديد الإلحاح بحيث لا يمكن للإنسان في ماضيه أن ينتظر قروناً طويلة بحثاً عن إجابة.. لذلك بدأ الإنسان منذ بداية وجوده بالتفكير في هذا السؤال.. بالتفكير فيما حوله.. وبالسماء فوقه.. وكانت هذه اللحظة الحقيقية لولادة الكون نفسه.. اللحظة التي بدأ الكون فيها بحثه عن أصله وميلاده..
اعتمدت مسيرة بحث الإنسان هذه على ما توفر له من الطبيعة من حوله ومما استطاع هو تسخيره من أدوات.. ولا يمكننا أن نحدد نقطة انطلاق الإنسان في بحثه هذا، ولكننا نعرف حتماً النقاط المفصلية التي شكلت ثورات في مسيرة هذا البحث، بداية من إسحاق نيوتن ووصولاً إلى يومنا هذا.
شهدت هذه المسيرة العديد من النظريات التي حاولت وصف بداية الكون أو حتى الاقتراب منها.. ولكن لم يشهد العالم في تاريخه بحثاً منهجياً قائماً على أسس واضحة ومعطيات تجريبية ضخمة وجهود إنسانية هائلة كما شهد في القرن العشرين. شهد ذلك القرن ولادة نظرية الانفجار العظيم The Big bang في نشوء الكون
منقول